التجديد وحب الوطن

د. عباس شومان
د. عباس شومان
بقلم : د. عباس شومان

كيف يكون محبا لوطنه من يهدر المال العام أو يعتدى على المنشآت العامة والخاصة؟!


عند سماع السلام الوطنى أو الأناشيد الوطنية يقف الجميع متأثرا ومرددا، وربما تلمح بريق دمع فى عيون البعض، وربما ترى قطرات تسيل على الخدين لدى البعض الآخر تأثرا، وإذا سألت أحدهم: هل تحب الوطن؟ ربما أجابك بصفعة أو لكمة أو كلمة جارحة قبل أن يقول: وطنى أفديه بولدى ومالى ودمى.. نموت نموت ويحيا الوطن! ويكتفى كثير من الناس بهذا القدر تعبيرا عن حب الوطن، ويحسبون بهذه الكلمات أو رد الفعل الغاضب على من سألهم هذا السؤال أنهم يحبون الوطن حقا، مع أنك إذا تتبعت أحوال كثير منهم تجدهم بعد أن مسحوا دموعهم التى ذرفت تأثرا يذهبون إلى أعمالهم متأخرين ساعة أو ساعتين وربما لا يذهبون أصلا، وتجد على سبيل المثال المعلم يختلف إلى بعض تلاميذه بعد أن شجعهم على البقاء فى منازلهم ليشرح لهم دروسا خصوصية كان ينبغى أن يشرحها فى الفصل وليس فى البيت، وتجد الطبيب يترك مرضاه يجلسون على أرضية الوحدة الصحية فى انتظار طلعته البهية لعلاجهم، بينما يقوم هو بالكشف على مريض منزلى لديه ثمن زيارته، وتجد مقاول المدرسة أو المصنع يخلط التراب مع مكونات الخرسانة فتهوى البناية بكاملها بعد سنوات فوق رؤوس التلاميذ أو العاملين، بينما يغط سعادة المهندس المشرف على التنفيذ فى نومه، فإذا ما وصل لموقع العمل وجدهم قد فرغوا من جريمتهم ليتناول معهم كوبا من الشاى شاكرا لهم سرعة الإنجاز! ونجد الزوج الذى ربما يضطر إلى حمل شنطة القمامة المكدسة معه لوضعها فى مكانها المناسب،  لكنه قد لا يصاحبه صبره حتى يصل إلى أقرب صندوق قمامة، فتجده يتخلص منها عند أقرب مكان يخلو من المارة، وليكن أمام بيت أو مدرسة وربما مستشفى! ناهيك بسائقى سيارات نقل مخلفات المبانى الذين «يزينون» الشوارع بهذه المخلفات فى أثناء السير جراء عدم تغطيتها، أو سد الفتحات الموجودة فى صندوق السيارة التى يتسرب منها المخلفات، وما إن يعثر السائق على أقرب نقطة خالية من العين حتى تجد باقى الحمولة قد أفرغ فى لحظة ربما فى عرض الطريق غير آبه بما قد تحدثه هذه المخلفات من حوادث أو إعاقة قبل أن يتحمل الحى رفعها بتكلفة تفوق أضعاف أضعاف ما كان سيتكلفه لو وصل بها إلى مقلب القمامة الذى ربما يبعد عنه عدة أمتار.

وهذه النماذج التى نراها حيثما توجهنا لا يمكن أن تكون من دلائل حب الوطن، ولا يمكن أن يكون من حب الوطن هذا الكم من التشكيك فى مؤسسات الدولة وتوزيع الاتهامات بسخاء على الشرفاء والمخلصين من أبناء الوطن، ولا سيما تلك التهم «المقولبة» التى تتعطل عند سماعها ملكات التفكير التى تصدر عن بعض دعاة التجديد ممن يدعون المعرفة وحب الوطن ويسهرون فى الفضائيات يصرخون ويرددون الكلمات المنمقة، وكأنهم هم حماة الوطن، مع أنهم قد لا يحملون له ذرة انتماء، والنتيجة تلطخ سمعة الشرفاء والمخلصين وزيادة حالات الإحباط وفقد الثقة فى الرموز الوطنية وإضعاف روح الانتماء للوطن، فليس من حب الوطن تعميم التهم للمؤسسات والهيئات والوزارات نتيجة بعض الأخطاء التى تقع من بعض منتسبيها، فى حين أن الغالبية العظمى فيها من المخلصين لعملهم المحبين لوطنهم.

لقد عبَّر رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، عن حب الوطن بعبارات شديدة الوضوح والتأثير حين وقف على مشارف مكة وقد خرج منها فارا بدينه قائلا: «والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إلىَّ، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت»، وليست هذه مجرد عبارات عاطفية وإنما هى قناعة حقيقية تُرجمت عمليا فى كل أفعال النبى- صلى الله عليه وسلم، ولذا ينبغى أن يكون الإنسان على قناعة تامة بأنه المالك لكل ما تراه عينه على أرض الوطن، ولا شك أن المالك يحافظ على ملكه، ولا يتصور أن تمتد يده بتخريب أو هدم أو تشويه لما يملكه، والمحب لوطنه لا يقصر فى أداء مهام عمله أو يسعى لإضعاف مؤسساته أو التشكيك فى المخلصين من أبناء الوطن، وتكون أقواله وأفعاله أبعد ما تكون عن تحقيق مصالح أعدائه. وعلى من يحب وطنه أن يبرهن على هذا الحب من خلال أفعاله وليس أقواله أو انفعالاته العاطفية التى تظهر بين الحين والآخر فى الأحداث المختلفة، فمحب وطنه لا يلوث بيئته، ولا يدمر ثرواته، ولا يفشى أسراره، ولا يعلى مصلحته الشخصية التى قد تتمثل فى منصب أو جاه أو بعض مال على المصلحة العليا لوطنه، ولا ينضم إلى من تحوم الشكوك حول سعيه للإضرار بمقدرات وطنه وزعزعة استقراره، وكيف يكون محبا لوطنه من يعطى الفرصة تلو الأخرى للمتربصين والمغرضين للتدخل فى شؤونه والضغط عليه وابتزازه لتحقيق مآرب استعمارية قميئة؟! وكيف يكون محبا لوطنه من يهدر المال العام أو يعتدى على المنشآت العامة والخاصة أو يفسد فى الأرض بتعطيل الإنتاج وربما بانتهاك حرمة الأعراض والدماء والأموال؟! إذا كنا نحب وطننا حقا فلنعمل جميعا لنهضته واستقراره وكفايته وريادته على المستويات كافة.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

بنفيكا ضد تشيلسي.. جيمس يفتتح أهداف البلوز فى الدقيقة 64 "فيديو"

30 يونيو.. ذكرى ثورة غيرت وجه مصر وصعيدها.. سوهاج نموذجًا للتحول من التهميش إلى التنمية.. وشبكات الطرق والمحاور فتحت آفاقًا جديدة للاستثمار وفرص العمل والتكلفة تخطت 4 مليارات جنيه.. صور

جدو: ننتظر قرار المحكمة الرياضية بشأن الدورى.. وكنا نحلم بالتتويج بأفريقيا

ميدو: هذا موقفنا من اعتزال شيكابالا.. وتأخر إعلان المدرب يُحسب لنا

شاهد صورة سائق النقل المتسبب فى حادث الطريق الإقليمى ومصرع 19 حالة


مصرع 3 فتيات وشاب فى انقلاب مركب صغير داخل نهر النيل بالمنيا

اتحاد الكرة الطائرة يعتمد ضوابط صارمة قبل بدء موسم 2025-2026

كريم محمود عبد العزيز وشقيقه وزوجته يصلون العرض الخاص لمملكة الحرير

الأهلى يرفض مناقشة أى عروض لرحيل زيزو بعد اهتمام قطبى تركيا بضمه

الأهلى فى مفاوضات متقدمة مع المصرى لشراء أحمد عيد


جيش الاحتلال يعلن اغتيال حكم العيسى أحد مؤسسي حركة حماس

بوجبا يبكى خلال توقيعه لموناكو.. لحظة عاطفية تُعيد نجم فرنسا إلى الواجهة

مفيدة شيحة تحتفل بزواج ابنتها منة الله عماد وسط حضور كثيف.. فيديو وصور

حبس المتهمين بالتنمر على شاب والتسبب في وفاته بالغربية 4 أيام

حقائق لا تفوتك قبل موقعة بنفيكا ضد تشيلسي فى كأس العالم للأندية

فريق كايروكي يحيي حفلاً غنائيًا اليوم باستاد القاهرة

كل ما تريد معرفته عن أسد الحملاوي المُرشح لخلافة وسام أبو علي في الأهلي

قائمة الأجانب تهدد مصير مفاوضات الأهلي مع مدافع الأفريقي التونسي

"ترانسفير ماركت": عمر الساعي فى المصري بنسبة 88%

الأمير هارى وميجان فى قلب خطط جنازة الملك.. تليجراف: تشارلز يريد لم الشمل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى